(لأنّه كما إنّ الله يقبل قتلَ الناس ذبيحة، فهكذا قبلَ الكذْب حمدا ) إنجيل برنابا 10:161
هذا هو المبدأ الذي يرتضي به العقيد القذافي، لأنّه جُبِلَ على الكذب، وحياته هي أيضا كذب في كذب، وكيف يستطيع أنْ يتحرر منه ؟ ما دام يرفض الحق، ويقبل ما هو باطل. فالكذاب لا يميل إلا إلى الكذب ويدور في فلك الشيطان، الذي هو أبو الكذاب.
أعتقد أنّ العقيد القذافي، لم يأتِ بفكرة أنّ (إنجيل برنابا)، هو الصحيح، والأناجيل الأربعة، مشكوك بها. إذ يبدو أنّه يحاول أنْ يقلد الآخرين تقليدا أعمى، من دون أنْ ينظر إلى الأمور نظرة تتسم بالموضوعية. إذ سبقه في ذلك، الإمام المصري المتعصب ( محمد أو زهرة)، الذي دافع عن (إنجيل برنابا) الإنجيل المزيف المنحول، وبطريقة ندر مثلها. يقول في ( محاضرات في النصرانية ص64): إنجيل برنابا هذا يمتاز بقوة التصوير، وسمو التفكير، والحكمة الواسعة، والدقة البارعة، والعبارة المحكمة، والمعنى المنسجم، حتى إنّه لو لم يكن كتاب دين، لكان في الأدب والحكمة من الدرجة الأولى لسمو العبارة، وبراعة التصوير.
ويمضي الإمام أبو زهرة في القول: ولماذا أنكر المسيحيون مع أنّ قوة النسبة فيه لا تقل عن قوة النسبة في كتبهم الأربعة كما ذكرنا، إنْ لم تكن أقوى ؟ الجواب عن ذلك أنّ المسيحيين رفضوه لأنّه خالف أناجيلهم ورسائل في مسائل جوهرية في العقيدة. ولقد كنا نظن أنّ ظهور ذلك الإنجيل كما يحمل الكنيسة على التفكير من جديد في مصادر الدين، لنعرف أيّ الكتب أقرب نسبا بالمسيحية الأولى، لذلك الإنجيل بما خالف. أم الرسائل والأناجيل التي توارثتها ، ولكنهم سارعوا إلى الرفض والإنكار كما سبق أسلافهم إلى إنكاره من قبل.
وأقول، كما ركب الإمام محمد أبو زهرة، رأسه، وشهد للزور والكذب، هكذا سعى العقيد القذافي، رغم إنّ إنجيل برنابا رفض من قبل المسلمين، بما فيهم (محمود العقاد)، لأنهم لم يجدوا في نصوصه ما يشفي غليلهم. كما كان على الإمام محمد أبو زهرة ، الذي اطلع على كتب التراث، والتاريخ الاسلامي، أنْ يكون أكثر دراية بالأمور، ولا ينساق، إلى فكر ضيق، ويدخل نفسه في حيص بيص.
تطالع في كتب التاريخ الاسلامية، وهي تتحدث عن أربعة من كتبة الأناجيل:-
* " وذكر غير واحد، أنّ الإنجيل نقله عنه أربعة، لوقا، متى، مرقس، يوحنا " ابن كثير قصص الأنبياء ص541.
* " وكان الأربعة الذين كتبوا الإنجيل، متى، مرقس، لوقا، ويوحنا " تاريخ اليعقوبي جزء 1ص 96.
* " إنّ أربعة من الحواريين، متى، لوقا، مرقس، يوحنا، اجتمعوا وجمع كل واحد منهم إنجيلا "تاريخ ابن الوردي جزء1 ص32.
* " إنّ متى ويوحنا ومرقص ولوق، هم الحواريون الذين تلقوا الإنجيل" مروج الذهب جزء1 ص64.
* " ثم كتبوا الإنجيل الذي نزل على عيسى، في نسخ أربع، على اختلاف رواياتهم. فكتب متى إنجيله بالعبرانية، وكتب لوقا إنجيله بالاتيني، وكتب يوحنا بن زبدي إنجيله، وكتب بطرس إنجيله بللاتيني ونسبه إلى مرقص" مقدمة ابن حلدون ص289.
*" إنّ أربعة من الحواريين اجتمعوا وجمع كل واحد منهم جمعا سماه الإنجيل، وهم: متى، لوقا، مرقس، ويوحنا " الملل والنحل جزء1 ص221.
*" وأما الإنجيل، فأنزل على عيسى. . . كانوا وهم مرقص ولوقا، ومتى، ويوحنا " كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهورص163.
لا ذكر للكتاب الذي استحوذ فكر القذافي !
إنجيل التناقضات
* " فأخذ إبراهيم إذ ذاك الفأس وقطع قوائم جميع الأصنام إلا الإله الكبير بعلا " فصل 2:28. والواقع إنّ الشعب الذي كان يسكن مدينة أور، التي هي مسقط راس إبراهيم، كانوا يعبدون إله القمر، وليس البعل، الذي كان إلها للكنعانيين.
* فلما اغتسل إبراهيم قال الملاك ارتق ذلك الجبل لأنّ الله يريد أنْ يكلمك هناك " "فص 21:29. والحقيقة أنّ لا جبل يوجد في جنوب العراق.
*" وذهب يسوع إلى بحر الجليل ونزل في مركب مسافرا إلى الناصرة مدينته، فحدث نوء عظيم في البحر حتى أشرف المركب على الغرق" فصل1:20، 2. والمعروف أنّ الناصرة مدينة قائمة على جبل مرتفع في الجليل، وليستْ مدينة بحيرية.
*" اذكروا أنّ الله عزم على إهلاك نينوى، لأنّه لم يوجد أحد يخاف الله في تلك المدينة، فحاول الهرب إلى طرسوس خوفا من الشعب، فطرحه الله في البحر، فابتلعته سمكة وقذفته على مقربة من نينوى "فصل4:63-7. والمعروف أنّ مدينة نينوى قد شيدت على الضفة الشرقية من نهر دجلة وهي لم تكن على البحر الأبيض كما قال الكاتب.
* " حين ولد يسوع كان بيلاطس حاكما في زمن الرياسةالكهنوتية لحنان وقيافا "فصل2:3. وهذا الكلام غير صحيح، لأنّ بيلاطس تولى من عام 26، إلى 36 م، أما حنّان فكان رئيسا للكهنة من 6 إلى 15م وقيافا من 8 إلى 36 م.
* " إنّ المسيا لا يأتي من داود بل من نسل إسماعيل، وإنّ الموعد صنع بإسماعيل لا بإسحق "فصل13:142. لكن من يقرأ سلسلة أنساب المسيح في الإنجيل الصحيح، يرى من جهة الجسد أنّ المسيح تحدر من نسل داود، ومن سبط يهوذا.
* " فليقنع الرجل إذا بالمرأة التي أعطاه إياها خالقه ولينسَ كل امرأة أخرى "فصل 18:116. بيتما القرآن يعلم بتعدد الزوجات بحسب ما جاء في سورة النساء3:4.
* " لذلك لما خلق الإنسان حرا ليعلم أنّ ليس لله حاجة إليه كما يفعل الملك الذي يعطي حرية لعبيده ليظهر ثروته وليكون عبيده أشد حبّا له" فصل 12:155، 13. وهذا الحديث يخالف تماما ما جاء في القرآن أنّ كل إنسان ألزمناه طائره في عنقه (الإسراء13:17).
والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة، هو أيّ كتاب ينبغي أنْ يأخذ به العقيد القذافي ؟ فإنْ كان حقا يؤمن من قرارة نفسه بأنّ إنجيل برنابا لا غبار عليه، عليه أنْ يرفض بعضا من معتقداته الاسلامية، وإلا عليه أنْ يتنازل عن تصريحاته النارية، التي تتسم بالغباء الكثير.
صبري يوسف
روتردام-هولندا